19 Jul
19Jul

وقع قادة العالم "اتفاقية باريس للمناخ" في 2015 في العاصمة الفرنسية باريس. وكان الهدف الأساسي من هذه الاتفاقية الحد بشكلٍ كبير من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمي والحد من زيادة درجة الحرارة العالمية في هذا القرن إلى ما دون درجتين مئويتين (قبل العصر الصناعي) وتكثيف الجهود لتقليلها إلى 1.5 درجة مئوية. ومنذ ذلك الحين بدأت الدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة ودول التكتل الأوروبي ترسم مخطط العبور إلى "عالم صديق للبيئة"، بما يناسب مصالحها الاقتصادية، والمناخ. ورغم التوافق الدولي حول خطورة التغيّر المناخي وحول أنه يشكل تهديداً وجودياً للإنسانية، وتجب محاربته، جاءت الحرب الروسية على أوكرانيا قبل 5 أشهر بمثابة صفعة لعملية التحول إلى الطاقة النظيفة. 

عصر الفحم الحجري؟

لقد أعلنت دول عدة في الاتحاد الأوروبي، على رأسها ألمانيا والنمسا العودة إلى الفحم الحجري لتلبية احتياجاتها من الطاقة، ما دفع برئيسة أكبر مؤسسة تنفيذية في الاتحاد، أورسولا فون دير لايين، إلى تحذير الدول الأعضاء، قبل أسابيع، من مغبة سلوك هذا الطريق.وأدت العقوبات الغربية التي فرضت على روسيا إلى شل أحد أكبر منتجي الطاقة العالميين، وإلى رفع تكاليف الوقود بشكل حاد في أوروبا والولايات المتحدة، مع ازدياد التضخم بشكل عام، فتغيّر الوضع بطريقة جذرية. حالياً تسعى الدول الغربية إلى محاولة إقناع الدول الغنية بالنفط، وأبرزها الإمارات والسعودية، بزيادة الإمدادات لخفض الأسعار، ما يتعارض بشكل تام مع التطلعات السابقة نحو "عالم أخضر". 

"استثمروا في النفط"

لقد زار رئيس القوة الغربية الأعظم، جو بايدن، السعودية، في سعي منه إلى زيادة الإنتاج النفطي، ما قد يريحه سياسياً على الصعيد الداخلي، ويؤذي روسيا، التي جنت أموالاً طائلة من بيع النفط منذ بداية الحرب، على الصعيد الخارجي. ورغم أن ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، أعلن زيادة في مستوى طاقة المملكة الإنتاجية إلى 13 مليون برميل يومياً بحلول 2027، إلا أنه قال إنه لن يكون بمقدور المملكة ضخّ المزيد بعد ذلك وأكد أن الرياض ملتزمة بالعمل مع شركائها في أوبك+، وأبرزهم روسيا.  وأبعد من ذلك كله، ومن المشكلة الراهنة المرتبطة بالاضطرابات أسواق النفط بسبب الحرب، قال بن سلمان في كلمة ألقاها خلال قمة الخليج للتنمية التي عقدت نهاية الأسبوع إنه "لا يجب تبني سياسات غير واقعية لتخفيض الانبعاثات من خلال إقصاء مصادر رئيسية للطاقة لأن ذلك سيؤدي إلى تضخم غير معهود وارتفاع في أسعار الطاقة وزيادة البطالة وتفاقم مشكلات اجتماعية وأمنية خطيرة".وأضاف بن سلمان أن الوضع يتطلب مزيداً من الجهود المشتركة لدعم الاقتصاد العالمي وإن التحديات البيئية تتطلب نهجاً "واقعياً ومسؤولاً" للانتقال التدريجي إلى مصادر الطاقة المستدامة.وهذا يعني أن السعودية بحاجة للمزيد من الوقت للانتقال إلى سوق آخر للطاقة، يناسب مصالحها أيضاً. هذا إذا أرادت ذلك أساساً. ذلك أن ولي العهد دعا في الكلمة نفسها إلى الاستثمار في قطاع الوقود الأحفوري وفي الطاقة النظيفة. 

"أرجوكم زيدوا إنتاج النفط"

في الإمارات، اعتبرت مريم المهيري وزيرة التغير المناخي والبيئة بدولة الإمارات أحد أكبر مصدري النفط الخام في العالم، أن الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة يجب أن يحصل بطريقة "عادلة" وضمن فترة زمنية مدروسة.أتى كلام المهيري الإثنين في فرنسا حيث تتسبب موجة قيظ بتسجيل مستويات حرارة قياسية، فيما تلتهم حرائق مستعرة مساحات من الغابات. ويلقي الخبراء باللوم على التغير المناخي ويتوقعون المزيد من موجات الحر القاسية.وقالت الوزيرة الإماراتية في مقابلة مع وكالة فرانس برس على هامش زيارة لرئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى باريس تمحورت حول الطاقة "الأمر لا يتم بضغطة زر. لسنا جاهزين بعد، وسيظل النفط والغاز جزءاً من قطاع الطاقة لبعض الوقت".وعبّرت المهيري بشيء من الاستغراب عن مطالب العالم من الدول النفطية وقالت: "كان الناس يشيرون بأصابعهم إلينا منذ شهور ويسألوننا لماذا ما زلتم تنتجون؟" والآن يقولون: نرجوكم أنتجوا، نرجوكم أنتجوا".

وكررت المهيري ما قاله ولي العهد السعودي: "نحتاج ... إلى عملية انتقال عادلة لأن جميع الدول ليست على المستوى ذاته"، مشيرة إلى أن الإمارات تستخدم "ثروة النفط والغاز لتكثيف مصادر الطاقة المتجددة" وهي عملية مكلفة. 

خسارة 13 تريليون دولار

عام 2021 ذكر تقرير سابق، صادر عن مركز أبحاث "كاربون تراكير" مؤسسة غير ربحية ومقرها لندن، أن التحول إلى الطاقة الخضراء قد يكلف الدول النفطية حوالي 13 تريليون دولار بحلول عام 2040.واعتبر التقرير أن الدول المنتجة للنفط والغاز قد تواجه فجوة تقدر بمليارات الدولارات في عائداتها الحكومية، مشيرا إلى أن بعض الدول قد تخسر 40 بالمائة على الأقل من إجمالي الإيرادات الحكومية.ويقدر التقرير إجمالي خسارة الإيرادات التراكمية لجميع البلدان المنتجة للنفط بحلول عام 2040 بنحو 13 تريليون دولار، وذلك بسبب "الجهود المبذولة لاحتواء الارتفاع في درجات الحرارة العالمية تدفع إلى إزالة الكربون من إمدادات الطاقة".وتمتلك السعودية إلى جانب الإمارات الجزء الأكبر من الطاقة الفائضة داخل مجموعة أوبك+، وهو تحالف بين منظمة البلدان المُصدرة للبترول (أوبك) ومُصدرين آخرين أبرزهم روسيا. 

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.